من تراث و مخطوطات الكويت الأدبية

المقدمة

تعد هذه الوقفية التي سوف نتناولها في هذاالموضوع من الوثائق النادرة ، والتي يستحق القراءة والبحث بها حيث أنها لتقف بنا قريباً من الرؤية الإجتماعية والمعيشية والجغرافية في ذلك الزمن ، النسخة مهداة من السيد / فهد غازي آل عبدالجليل وهي مُهداه لهُ أيضاً من الأخ الدكتور الفاضل/عماد العتيقي فجزاهم الله عنّا كل خير ، ونظراً لكون هذه الوقفية قد حررت في عام 1821م فلها من الأهمية بالنسبة للباحثين لكونها قد أتت في زمن

 ما قبل سنة الطاعون الشهيرة والمؤرخة بعام 1831م ، لذا رأينا أن نقدم قراءة ورؤية إجتماعية ومعيشية وتاريخية لتلك الفترة من خلال تناولنا وتحليلنا لهذه الوقفية ، هذا .. وبالإضافة إلي ذلك أيضاً فقد أعطى وجود ثلاث من القضاة العداسنة بوثيقة واحدة أهمية كبرى وقيمةً عاليةً.


تقول الوثيقة 

بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمد بن محمد العدساني
الموجب لرسمه والداعي لرقمه هو أن الوالد الشفيق المحترم قد وقف وحبّس وسبّل بيته الكاين ملكه في الكويت المحدود قبلة بيت آل عبد الجليل وشمالا الطريق النافذ وجنوبا بيت آل بن سريح وشرقاً بيت آل ابن مطرود ولإمرأة ثاقبة .
قد وقف وحبّس وسبّل الوالد المذكور أعلاه البيت المذكور بماله من الحدود والحقوق والتوابع واللواحق على ابنيه عبد السلام وعبدالله وعلى ذرّيتهما خاصة ما تناسلوا وقَبِلا الوقف المذكور وتصادقا عليه تصادقا شرعيًّا وقفا منجزاً من تاريخه في حال صحته وطواعية منه وكُلّ أَكِل الجحلتين الحمرا والسَّود أواواني الما أيضا وقف على المذكورين يحكمهم في الوقفيه حكم وقفية البيت المذكور حتى لا يخفى .

 جرا في 29 من رجب الحرام من سنة 1236 من هجرته صلى اللّه عليه وسلم.

كاتبه محمد صالح.

شهد بما هو مذكورموسى ابن علي ابن حليف
شهد بما هو مذكور هلال بن بطيطه
شهد بما هو مذكور موسى بن عامر
شهد بما هو مذكور خميس بن اسماعيل
وكفي بالله شاهد

محتوى الوقفية:

الوثيقة وكما قرأناها الآن لا تحتاج الى تحليل دقيق وتفسير في محتوى المتن وما تعنيه وذلك لوضوح اللغة الدارجة في ذلك الزمن بالإضافة إلي بساطة المفردة التي كُتبت بها تلك الوقفية ، والتي لا تكاد تختلف عن الوثائق والوقفيات الآخرى التي تم نشرها وقراءتها من قبل ، إذ لم يكن الإختلاف هنا عن البقية إلا بشخوص الوقفية وزمنها ، إلا أننا نقف هنا غلى رؤية كاملة وفي أكثر من جانب لطبيعة الحياة في ذلك الزمن ومن خلال المعطيات التاريخية التي تحتويها تلك الوقفية ، بالإضافة إلي الإمتداد التاريخي لتلك الأسر والشخصيات المذكورة بتلك االوثيقة ،وسوف نتحدث ونقدم رؤية ومشاهد حول تلك الوقفية على ضوء ووفق ما قرأناه 

1- زمن الوثيقة:هو التاسع والعشرون من رجب المحرم من سنة 1236 هجري والموافق 2ابريل 1821م من السنة الميلادية.

2- مكان الوقف الفعلي: تقع البيوت المذكورة بالوثيقة في مرتفع بهيتة الشهير، وقد حدد مشكوراً الباحث في الاحياء الكويتية القديمة الأخ  /خالد المبيلش مواقع تلك البيوت بدقة عالية ، ,فأرسل صورة جوية يصف فيها بعضاً من البيوت المذكورة وكما جاءت بالوثيقة الأصلية ومواقعها الحالية( الصورة الجوية – سنة 1951م ) ، وسوف نلاحظ هنا أن البيوت الشرقية للوقف المعني قد تحولت إلي دكاكين ، والبيت الجنوبي لآل بن سريح قد إنتقل إلي أسرة الورقه.

3- الحالة المعيشية للكويتيين في ذلك الزمن:

تقول الوقفية: وكل أكل الحجلتين الحمرا و السَّودا وHواني الما ايضا وقف على المذكورين
ولعلنا نرى هنا بساطة الحياة التي يعيشها أهل الكويت في حينه ومن خلال ما يحتويه بيت القضاة من كفاف العيش الحلال ، فقد ذكرت لنا الوقفية جرار الفخار والمعروف سابقاً بالجحلةوالتي يوضع بها بالغالب الأرز والطحين لحفظة من التلف ، وايضاً ذكرتاواني الماوكما هي واضحة لنا جميعاً وتعني به أواني الماء ، غير ذلك لم تذكر لنا الوقفية أي أمر مادي آخر غير ما ذكرناه ، وهذا الوصف يقودنا إلي بساطة العيش في حينه فنرى طبيعة الحياة في الكويت بذلك الزمن من خلال هذا الوصف ، وبعده عن ترف الحياة كالتي يعيشها البعض من المدن المجاورة كمثل البصرة وغيرها من المدن.

4- الشخصيات والأسر المذكورة بالوثيقة:

وكما نعلم ومن بعد سنين قليلة من هذه الوقفية وفي سنة 1831م أفنى مرض الطاعون والذي حل بالكويت بغالب عوائل الكويت إذ لم ينجى منهم إلا القليل ، وتعد سنة الطاعون من الحوادث المهمة في تاريخ الكويت ولكونها قد قضت على جل أهل الكويت في ذلك العام ، فيقول مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد عن تلك السنة: “في سنة 1247 أصيبت الكويت بطاعون عظيم قضى على كثير من أهلها حتى كادت تصبح منه قفراً يبابا لولا المسافرون من أهلهاثم قال الرشيدرجعوا اليها ولكن وجدوا الطاعون قد فتك بكثير من نسائهم فاضطروا إلي استقدام عوضهن من البلاد المجاورة، إلا أنه ومما يسترعي الإنتباه أن بعضاً من الأسر والأشخاص الموجودين بالوثيقة لايزال لهم أثر ووجود بالكويت.

الواقف:  وهو قاضي الكويت السابق الشيخ محمد بن محمد العدساني ، والده هو قاضي الكويت الثالث الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني وأما والدته فهي ابنة قاضي الكويت الثاني الشيخ أحمد بن عبدالله آل عبد الجليل ، وقد تولى الواقف القضاة في عهد الشيخ عبدالله الأول من بعد وفاة والده في سنة 1197هجري واستمر حتى سنة 1208ه ، إلا أنه في ذلك العام تنازل عن القضاء لإبنة القاضي “محمد صالح” بن محمد بن محمد العدساني.

 –كاتب الوثيقة: وهو قاضي الكويت السابق الشيخ محمد صالح بن محمد العدساني وهو القاضي الخامس للكويت من بعد والده وقد تولى القضاء على فترتين الأولى من عام 1208- 1225هجري ، والفترة الثانية من عام 1228-1233هجري ، ويعوز تنحيته عن القضاء لخلافه فقهيه بينه وبين الشيخ علي بن شارخ والذي تولى القضاه بأمر من الشيخ عبد الله الأول بعد هذا الخلاف الفقهي، إلا أنه ومن بعد وفاة الشيخ القاضي علي بن شارخ ما بين أعوام ( 1227 – 1228) ، عاد للقضاة مرة آخرى الشيخ محمد صالح العدساني بالفترة الثانية فأستمر بها لمدة خمسة أعوام فقط ، حتى تنازل عن القضاء في عام 1233 هجري.وعلى ذلك يكون الشيخ محمد صالح العدساني في فترة تحرير الوقف خارج عن القضاة ، إذ كان من يتولى القضاة في فترة تحرير الوثيقة أخيه الشيخ عبدالله بن محمد بن محمد العدساني ، وهو أحد الموقوف لهم في هذه الوثيقة ،ولعلنا هنا تتضح لنا الأسباب في عدم وجود ختم أو توثيق لقاضي الكويت في حينه.

الموقوف لهم: ومنهم قاضي الكويت في زمن تحرير الوقفية الشيخ عبدالله بن محمد بن محمد العدساني إذ أستلم القضاة من الفترة من عام 1235 وحتى 1274 هجري.

آل عبدالجليل:وكما هو معلوم لنا وموروث للأسرة أنه لم يبق من هذه الأسرة من بعد سنة الطاعون سوى شخص واحد وهو المرحوم ابراهيم آل عبدالجليل، وهو الذي ينحدر منه جميع أسرة العبد الجليل الكريمة ، إلا انه يظهر لنا ويتبيّن من خلال ما قرأناه في متن هذه الوقفية أنها تتحدث عن أسرة كبيرة العدد عند قولهم بآلعبد الجليل، إذ لم يذكر أن البيت مملوك لشخص بعينه بل هي مجموع لبيوت تسكنها تلك الأسرة.
وبالإضافة إلي ذلك يتبين لنا مكانه اجتماعية للأسرة  في حينها ، وذلك حيث أن أغلب الوثائق أو الأوقاف تبدأ بذكرالمعلم أو الحي أو الشاهد المعلوم للناس ، ففي بداية هذه الوقفية ذُكرت لنا الشاهد المعلوم وهو بيت آل عبد الجليل وكمعلم واضح، وهو ما يبيّن لنا أيضاً الوضع و المكانة الإجتماعية لتلك الأسرة في ذلك الزمن.

آل بن سريح:لا علم لنا بمن تحدر من نسلهم الآن ، أو لربما قد تكون من الأسر التي فُنيت في سنة الطاعون.

آل بن مطرود: وهي من الأسر الكويتية القديمة بالكويت ، إلا إنه يظهر لنا أن الوثيقة تتحدث عنهم وبكونهم أسرة كبيرة وليست بأشخاص وهي تتطرق لهم كما تطرقت لأسرة العبد الجليل ، ولا علم لي هل هم نفس أسرة المطرود الحالية أم غيرهم.

امرأة ثاقبة: لا نعلم عنها ذِكراً ، إلا إنهُ يظهر لنا و نظراً لوجودها ومجاورتها لبيوت العلم والقضاه آل العدساني وآل العبد الجليل يبدو لنا أن وضعها الإجتماعي كان جيداً في حينه ، فقد تكون من إحدى الأسر الكبيرة في تلك الفترة ونظراً لكون البيت مملوك لها وحدها.

الشهود المذكورين بالوثيقة:

وأغلب الشهود المذكورين في الوقفية قد يكونوا لهم ذرية ونسل منحدر الآن بإسم آخر ، أو لربما قد يكونوا من الأسر التي قضى عليها الطاعون وفَنت به ، ولم نجد اثراً حياً ونسل مستمر إلا لأسرة واحدة فقط من الشهود الأربع.

الشاهدالأول : موسى بن علي بن حليف : مجهول
الشاهد الثاني : هلال بن بطيطة : مجهول
الشاهد الثالث : موسى بن عامر : مجهول
الشاهد الرابع :خميس بن اسماعيل: وتعد من أقدم الأسر الكويتية ، والتي لا يزال لهذه الأسرة أثر ووجود ، فقد خلّف خميس بن اسماعيل من الأبناء عبد الله ، وقد أنجب عبدالله من الأبناء خميس و -محمد صالح – وفاطمة ومريم . ( المصدر وثيقة وقف 1313ه لآل ابن اسماعيل) .والجدير بالذكر هنا أن نبيّن طبيعة العلاقة الطيبة بين هذه الأسرة وبين جيرانهم من أسرة العداسنة منذ ذلك الوقت ، فقد اطلق المرحوم عبدالله بن خميس بن اسماعيل على ابنه الثاني “محمد صالح” تيمناً على أحد قضاة أسرة العداسنة المعروفين ، وهو ما يؤكد لنا عمق العلاقة الطيبة بين الأسرتين الكريميتن.

ومما يسترعي الإنتباه وللمعلومية أن هذه الأسرة أشتهرت لاحقاً بين أهل الكويت بأسرةالخميسأهل الوسط ، والتي ينحدر منهم النوخذة المعروفمحمد صالح” عبد الله الخميس ، وقد أتى بسيرتة الدكتور يعقوب الحجي في كتابه “نواخذة السفر الشراعي في الكويت ” ، ومن الجدير بالذكر أن أحد أبناء الأسرة المعاصرين هو المدرب المعروف صالح زكريا ، وهو صالح بن أحمد بن محمد صالح بن عبد الله بن خميس بن إسماعيل ، وعلى ذلك فلا زالت لهذه الأسرة ذرية باقية.

 5- تاريخ الأسر المذكورة بالوثيقة:
أسرة العدساني: إحدى أعرق الأسرة الكويتية ، ولها تاريخ معروف ومتوارث وطويل مع القضاة في الكويت ، وقد قدم جد الأسرة محمد بن عبد الرحمن العدساني إلي الكويت من الإحساء في زمن حكم صباح الأول ، وسيرة أعلام الأسرة موجودة أعلاه ، وقد ألفت الأخت الفاضلة عائشة العدساني كتاب قيّم عن أسرتها فكان أحد مصادرنا المهمة في البحث.

أسرة آل عبد الجليل:من أوائل وأعرق الأسر التميمية النجدية التي استقرت في الكويت ، فمن بعد هجرتها من موطنها حوطة بني تميم وترحالها ، استقرت هذه الأسرة أخيراً بالكويت مع مراحل تأسيسها الأولي وقبل أن يحكم الشيخ صباح الأول الكويت عام 1752م ، ويظهر لنا أن الأسرة الكريمة قد قدمت مع العتوب مع بداية التأسيس حيث لم تكن الكويت في تلك الفترة بأرض جاذبة للأسر العلمية والنجدية قبل هجرة العتوب إليها ، فلقد ذكرالمؤرخون أن العتوب وأسرة الصباح هم أول من بدأو بالبناء واستعملوا الحجارة بالبناء في الكويت ( الرشيد – 33 )، وعلى هذا السبب المنطقي لا نرى سوى أن الأسرة الكريمة هاجرت مع قبيلة العتوب من الزبارة كمثل حال الأسر النجدية العلمية مثل ابن فيروز وغيرهم من الأسر النجدية.
وقد تولى جد هذه الأسرة الشيخ أحمد بن عبدالله آل عبد الجليل القضاة في الكويت بين أعوام ( 1135 – 1170 هجري) الموافق لعام 1722 – 1756 ميلادي ، وذلك من من بَعد وفاة قاضي الكويت الأول محمدبن فيروز (الرشيد ص 93) ، والجدير بالذكر وعلى ضوء ما ذكره المؤرخون وعندما أجمع أهل الكويت على تولي حكم الكويت للشيخ صباح الأول يظهر لنا الآن أن قاضي الكويت في حينه هو نفسه الشيخ أحمد آل عبد الجليل.
وقد أتى بذكره مؤرخ الكويت المرحوم عبد العزيز الرشيد في ضمن حديثه عن قضاة الكويت الأوائل فقال:” ويقال ان أحد آل عبد الجليل قام بالقضاء بعده إلي أن قدم زعيم بيت العدساني من الاحساء فتنازل له عنه إعجاباً بعلمه وصلاحه و زوجه ابنته“.

آل خميس ( بن اسماعيل) :من الأسر الكويتية القديمة ، وقد أنجب إسماعيل ابنين أحمد وخميس ، ولأحمد ذرية من البنات شريفة ورقية ، وأما أخيه خميس فقد اتينا على ذكر ذريتة بأعلاه ،وذريتة هم أسرة الخميس المعروفة ، وسوف نتحدث عنهم مستقبلاً وبموضوع خاص بهم.

ختاماً وفي النهاية ومن بعد هذه القراءة الشخصية للوثيقة والوقفية نتمنى أن نكون قدمنا بعضاً مما تستحقه هذه الوقفية من بحث ورؤية ،وأن نكون قد وفقنا بها ، والله أعلم.

المراجع:
كتاب تاريخ الكويت – عبدالعزيز الرشيد
كتاب الشيخ محمد صالحالعدساني – عائشة العدساني

نواخذة السفر الشراعي – يعقوب الحجي

كتبه : الباحث بالأحياء الكويتية القديمة – خالد عبد العزيز المبيلش .

2 تعليق

  1. جيد وممتاز شكرا على هذه الاخبار السارة واتشرف بزيارة موقعكم
    شكرا للكويت
    شكرا لكم على جهودكم
    وفقكم الله…
    وشكرا لصاحب المقال.
    مبدع كعادتك يا أخي

اترك رد