الغزو العراقي الغاشم للكويت

الغـــزو الغاشــــم 

 مع الخيوط الأولى لفجر الثاني من أغسطس عام 1990 استيقظت الكويت على أصوات الدبابات والمدرعات والمدافع العراقية وهى تجتاح حدودها وتقصف بيوتها الآمنة وتزرع الدمار في أرضها . وقد تذرع العراق في عدوانه على الكويت بذريعة أنها – أي الكويت – ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة أغرقت السوق العالمية بالنفط مما تسبب في انخفاض أسعاره بالتالي خسارة العراق بلايين الدولارات . علما بأن حصة الكويت والإمارات من الإنتاج العالمي في تلك الفترة بل وقبلها وبعدها غير كافيتين لإغراق السوق العالمية (6 – 7 % من مجمل الإنتاج اليومي العالمي ) ، كما أن عوامل السعر لا يحكمها فقط العرض ولكن الطلب كذلك والذي يدخل في تكوينه عوامل عديدة منها الرواج الاقتصادي في بلدان العالم المتقدم. 

 وسارعت السلطات العراقية فور استيلائها على أراضي دولة الكويت بإعلان ضمها إلى الأراضي العراقية واعتبارها محافظة من محافظات العراق ( 19 ) ، مدللة بذلك على أن إغراق السوق النفطية لم يكن مبرر الغزو وإنما الأطماع التاريخية الكامنة لدى الأنظمة العراقية التي تقلبت على حكم العراق منذ استقلال دولة الكويت في العام 1961 .

  ورفضت معظم دول العالم العدوان العراقي الآثم على دولة مستقلة تتمتع بعضوية الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمات دولية وإقليمية أخرى عديدة . وطالبت الدول فرادى ومجتمعة ، والمنظمات الإقليمية والدولية النظام العراقي بسحب قواته من الكويت تمهيدا لعودة الكويتيين وحكومتهم الشرعية إلى وطنهم بعد أن كان الآلاف قد غادروا هربا من آلة القتل العراقية التي لم تفرق بين عسكري ومدني ، وبين شيخ طاعن في السن وطفل صغير وشاب مفعم بالحياة خاصة بعد أن فشل في خلق طابور خامس من الكويتيين يناصره ضد الشرعية الكويتية . وسعى رؤساء دول عربية وغير عربية وأمين عام الأمم المتحدة الأسبق خافيير بيريز دي كويار ومسئولون كبارا من مختلف القارات إلى إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بسحب قواته من الكويت وإعادة الأوضاع فيها إلى ما كانت عليه قبل الثاني من أغسطس عام 1990 دون جدوى .

وخلال تلك الفترة أصدر مجلس الأمن الدولي مجموعة من القرارات ابتدأت بالقرار رقم 660 في 2 أغسطس 1990 طالبت جميعها بوقف العدوان على الكويت وسحب القوات المعتدية والحفاظ على الممتلكات المادية وغير المادية الكويتية ووقف كافة أعمال القتل والتشريـد والتدميـر . ولما لم يستجب العراق لكل القرارات الصادرة تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطيها قوة الإلزام صدر القرار رقم 678 الذي يتيح تحرير الكويت بكل الوسائل مما أتاح حق استخدام التحالف الدولي الذي ضم 32 دولة القوة لتحرير الكويت .

وشن هذا التحالف الحرب الجوية اعتبارا من يوم 17 يناير 1991 ثم تبعها بحرب برية يوم 24 فبراير انتهت بإعلان تحرير الكويت يوم 26 فبراير 1991 بعد دحر القوات المعتدية وإرغامها على الفرار من الأراضي الكويتية . وبين القرار رقم 660 والقرار 1284 الصادر عن مجلس الأمن في 19 ديسمبر 1999 صدر حوالي الخمسين قرارا ، كلها تستند إلى الباب السابع من ميثاق المنظمة الدولية وتتعلق بالعدوان على دولة الكويت ومعالجة آثاره وفى مقدمتها الأسرى والمرتهنين الذين عين الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا منسقا عاما لمتابعة حل قضيتهم وكذلك تتعلق بقضية نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية واستمرار مراقبة تسليحه وعدم تطويره لبرامجها مستقبلا لوأد نواياه العدوانية في مهدها. 

وعندما عادت الإدارة الكويتية إلى وطنها بعد تمام تحريره ، وضعت ونفذت خطة شاملة لإعادة تعمير الكويت التي كانت مدمرة في معظمها ومنشآتها الأساسية معطلة وبنيتها الأساسية شبة مشلولة . ونجحت في تنفيذ خطة للتعمير تكلفت ما يقرب من 70 مليار دولار واحتفلت بذلك ضمن احتفالها بإطفاء آخر بئر نفطية من الآبار التي كان العراقيون قد أشعلوا النار فيها قبل هزيمتهم . 

وكما عملت على تطهير بيئتها البرية والبحرية من عشرات ملايين الألغام  التي زرعوها وراح ضحيتها مئات الأبرياء ، وان كان بعضها مازال إلى اليوم يحصد أرواح البشر أو يصيبهم بالإعاقات الجسدية المختلفة .

 كما لازالت البيئة البرية تعاني من آثار التلوث النفطي الناجم عن تعمد العراقيين ضخه لغمر الأراضي الكويتية وتحويلها إلى كتلة من النار عندما يبدأ التحالف الدولي حرب تحرير الكويت. 

وفى محاولة لإنهاء الأطماع العراقية في الأراضي الكويتية وتجريده من ذرائع عدوانه على الكويت وتهديدها ، شكل مجلس الأمن في 20 مايو 1993 لجنة دولية لتخطيط الحدود الكويتية – العراقية ، أنهت أعمالها في 27 يونيو بإصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 833 الخاص بذلك .

وقد صادق العراق على ترسيم الحدود بين البلدين وأودع تصديقه لدى المنظمة الدولية ، إلا أن ذلك لم يمنع قادته من تهديد الكويت بين فترة وأخرى والزعم بأن الترسيم ظلم العراق ، وهى مؤشرات تؤكد أن النظام الحاكم في بغداد غير قادر على الاندماج مع المجتمع الدولي وقراراته وغير حريص على السلم الإقليمي والدولي ولا يوثق به في نهاية المطاف . وإنكار هذا النظام لوجود أكثر من ستمائة أسير ومرتهن كويتي ومن جنسيات أخرى .  

وقد أصدر مجلس الأمن  قراره 1284 الملزم للعراق بضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمرتهنين لديه وطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقارير دورية بالتطور الذي تشهده هذه القضية والتي تسبب الكثير من الحزن والكدر لمئات الأسر وآلاف البشر في الكويت وخارجها . ويذكر أن هناك ومنذ سنوات لجنة دولية يرأسها الصليب الأحمر وتشارك فيها الكويت والعراق بالإضافة إلى دول أخرى لمعالجة هذه القضية ، إلا أن العراق دأب على مقاطعة اجتماعاتها وان حضر فانه لا يتعاون معها و لا يقدم أيه معلومات .  

جهـود حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمـد الجابر الصباح خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت .

منذ اللحظات الأولى للعدوان والاحتلال العراقي على دولة الكويت ، ومنذ خروج الشرعية الكويتية من الكويت في فجر يوم الخميس 2 / 8 / 1990م منذ تلك اللحظات والشرعية الكويتية المتمثلة في حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخجابر الأحمـد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه في حالة عمل متواصل ليل نهار .

ووفـق تخطيط هادف ومتزن ، وجهود دءوبة ، وعطاء لا ينضب ، وتحركات دائمة ومستمرة لا يقطع تواصلها شيء من اجل استرداد الوطن الغالي واستقلاله واستعادة حريته .فلم يكن للوقت قيمة إذا لم يصاحبه إنجاز يحقق إحدى الغايات المرجوة ، ولم تكن ساعات العمل تحتسب إذا لم تقترن بخطوة مثمرة اتخذتها القيادة الكويتية من أجل عودة الكويت حرة مستقلة.

وقد تعددت جهود صاحب السمو حفظه الله ومساعيه ما بين حضور المؤتمرات والمحافل الدولية والمشاركة فيها ناقلا إليها كلمة الكويت وخطابها الرسمي والشعبي ، والقيام بزيارات عمل رسمية ، والتباحث مع رؤساء الدول ورؤساء الوزراء والوزراء ، وإرسال الوفود والمبعوثين الكويتيين لإيصال صوت الحق وعدالة قضية الكويت إلى كل دول العالم.

حقا لقد كانت تلك اللحظات عصيبة ومريرة وشديدة القسوة ، وصدمة قوية تفوق تصور العقل والفكر والوجدان ، لكن رجاحة العقل والمنطق السليم ، وسمو النفس والإيمان بمشيئة الله وقدره ، جعلت قوة الصدمة وصعوبة تلك اللحظات ومرارتها ، وعمق المأساة التي تحملها ، تضعف وتتهاوى أمام تصميم القيادة وإرادة الرجال وعزيمة الشجعان ، لذا كان التأكيد والإصرار على أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، وأنه لا توجد أي مساحة في العقل والفكر والوجدان للمساومة على الأرض ، وأن الكويت لا بد أن تعود بكامل ترابها وبحارها وأجوائها كما كانت واحة أمن وأمان وسلام واستقرار .

      جهود وإنجازات سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء
في أثناء فترة العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت 

التحرك المستمر منذ اللحظة الأولى للعدوان قد تمثل في إصرار سموه على مغادرة حضرة صاحب السمو أمير البلاد إلى المملكة العربية السعودية لأن وصول القوات العراقية إلى أمير البلاد ورمزها يعني انهيار الروح المعنوية لدي أفراد الشعب ، لكن وجود سموه خارج البلاد يعني استمرار المقاومة وحرية الحركة لحشد الرأي العام الدولي والإسلامي والعربي حول قضية الكويت وسرعة تحريرها.

– في 5 / 8 / 1990م التقى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في جدة حيث تم تبادل وجهات النظر وأسلوب التحرك إزاء الموقف الناتج من جراء العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت.

– التقى سموه الرئيس حسني مبارك في الإسكندرية يوم 8 / 8 / 1990م، وعـقــد لـقــاء آخر بالقاهرة يوم 9 / 8 / 1990م ، حيث تم الإعلان بعدها عن عقد مؤتمر القمة العربية الطارئ بتاريخ 9 / 9 / 1990م ، و ترأس سموه وفد الكويت بعد إلقاء حضرة صاحب السمو أمير البلاد كلمة الكويت أمام المؤتمر ومغادرته القاهرة في اليوم نفسه.

– قام سموه بجولته الأولى التي شملت سوريــا وتـركـيـــا والمغرب والجزائر وتونس في الفترة من 13 – 22 / 8 / 1990م.

– وفي محطته الأولى بدمشق التقى سموه فخامة الرئيس حافظ الأسد حيث سلمه رسالة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد تتعلق بآخر المستجدات في ضوء العدوان العراقي على الكويت.

– وفي أنقرة التقى سموه الرئيس التركي ورئيس وزراء تركيا ، وقد أشاد سموه بالموقف التركي تجاه الاحتلال الغاشم.

– وفي المغرب التقى سموه العاهل المغربي الملك الحسن الثاني وكذلك رئيس الوزراء المغربي.

– وفي الجزائر جرى لسموه استقبال رسمي حيث كان على رأس المستقبلين رئيس الحكومة الجزائرية والتقى سموه المسئولين الجزائريين حيث نقل لهم شكر الكويت أميرا وحكومة وشعبا على الموقف الشجاع من الاحتلال العراقي.

– كانت المحطة التالية تونس حيث جرى لسموه استقبال رسمي وكان على رأس مستقبليه رئيس الوزراء التونسي والتقي سموه المسئولين التونسيين وشرح لهم أبعاد الموقف الناجم عن الاحتلال العراقي لدولة الكويت.

– وفي ليبيا التقى سموه الرئيس معمر القذافي وبحث معه الوضع الراهن في المنطقة.

– ثم كانت آخر محطة في جولة سموه هي القاهرة حـيــث عـبـــر سمـوه فــي مـؤتـمــر صحــفي بتاريخ 22 /8/1990 عن تقدير الكويت للشقيقة مصر على موقفها العادل الصريح في إدانة الاحتلال العراقي على الكويت.

– كان إصرار سموه على زيارة كل من الجزائر وتونس وليبيا رغم مواقف تلك الدول خلال مؤتمر القمة العربي الطارئ في القاهرة للتأكيد على إصرار سموه ورغبته في شرح أبعاد قضية الكويت لشعوب تلك الدول ، وتجلى ذلك في التصريحات الصحفية والمؤتمرات الصحفية التي أدلى بها أو عقدها سموه في تلك الدول ، أما جولة سموه حفظه الله في الدول المؤيدة فكانت لشكر شعوب هذه الدول وحكوماتها على مواقفها المؤيدة للحق والعدل.

– أبرز سموه موقف الكويت وبشكل مستمر على أنها ليست داعية حرب ولا تريد تعريض المنطقة للخطر ، بل كل ما تطلبه الكويت هو تنفيذ قرارات القمة العربية وقرارات مجلس الأمن 660 – 661 – 662 وقرارات مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية التي تتفق جميعها في ضرورة انسحاب العراق فورا ودون أي شروط.

– كان التحرك الدبلوماسي لسموه حفظه الله مع سفراء الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع سفراء الدول الشقيقة والصديقة مكثفا لتبادل وجهات النظر حول آخر المستجدات في المنطقة.

– تابع سموه بصفة دائمة تأمين الأوضاع المعيشية الكريمة للمواطنين الكويتيين في الخارج سواء في الدول الخليجية أو العربية ، وكذا تأمين المعيشة للمواطنين في الداخل.

– القيام بالاتصال المستمر بالمواطنين في الداخل بهدف :

رفع الروح المعنوية .

الوقوف على المستجدات في الساحة الداخلية واحتياجات المواطنين .
بيان مؤازرة الشعوب الشقيقة والصديقة إلى جانب الحق الكويتي .

– اللقاء المستمر والمباشر مع مواطني دولة الكويت في كل دولة يزورها سموه حفظه الله وذلك بهدف :

الاطمئنان على حياتهم .

شرح الموقف السياسي والعسكري لهم .

رفع روحهم المعنوية وإطلاعهم على أن العالم الحر الشريف يقف معهم ويؤيد قضيتهم .

– إصرار سموه حفظه الله ووقوفه الصلب إلى جانب الحق الكويتي وعدم المساومة على أي شبر من الأرض الكويتية ، فضلا عن مطالبة سموه بالتعويضات عن أضرار الاحتلال منذ الشهر الأول ، وهذا يؤكد إيمان سموه منذ اللحظات الأولى بتحرير الوطن ودحر العدوان.

– إصرار سموه على مساعدة اللاجئين الذين خرجوا من الكويت من جراء الإحتلال ، وكان لذلك أكبر الأثر في المواقف الشعبية “غير الرسمية” لشعوب تلك الدول التي ينتمي إليها هؤلاء اللاجئون.

– تبني سموه رفض الكويت لأي وساطات أو مبادرات لحلول وسط للأزمة وإصرار سموه على تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن والقمة العربية.
– إيمان سموه حفظه الله الكامل بشعب الكويت ، وثقته الكاملة في إخلاص هذا الشعب والتفافه حول قيادته الشرعية.

(كانت هذه بعض من سطور  لأيام عاشتها كويتنا شعباً وحكومة في خندق واحد أيام محنتها تجاه المعتدي الغاشم .. مؤكدة على وحدة كويتنا شعبا وحكومة على قلب رجل واحد .. فعاشت كويتنا للمجد سالمة وللحرية شعارا واحة للأمن والأمان على طول المدى ) 

2 تعليق

اترك رد