التنمية البشرية من نظرة اسلامية

6

 

التنمية تستطيع البحث في أصولها الأولى منذ التجارب المبكرة التي عملها الإنسان الأول لإدراك التغيرات التي تحصل من حوله. وقد ارتبط ذلك بالتجارب الحية والتأمل في الإختلافات التي تحصل في الموجودات كفصول العام والنبات والإنسان والحيوان. حيث أكدت تلك التغيرات أن هذا العالم في حركة غير متوقفة وفي تغير مستمر. وقد أدت هذه الملاحظات والتأملات إلى ظهور نقاش فلسفي حول ماهية الأشياء، وطبيعة المتغيرات التي تحدث فيها.

 

 

يعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم الحديثة التي شاعت في العقود الأخيرة من خلال الدراسات العلمية والتقارير الدولية التي ترصد حياة الإنسان وتسعى إلى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة، وعلى الرغم من حداثة استخدام المفهوم، فإن فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الإنسان بل تمتد بامتداد الوجود الإنساني ذاته، فالسعي للتنمية والتطور والنماء ملازم لمسيرة الإنسان في حياته، وشكل إحدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الأرض، وقد شهدت الحياة البشرية تطورا في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر إلى ما وصلت إليه تقارير الأمم المتحدة التي ترصد هذه التنمية منذ خمسينيات القرن الماضي.
إن تعريف التنمية البشرية يتطلب منا الإحاطة بمفهوم التنمية أولاً باعتبارها الأساس الذي يتم فهم المصطلح من خلاله، فقد تطور تعريف التنمية وتعددت رؤية الباحثين له باختلاف رؤيتهم وتخصصهم واهتمامهم، فبعضهم كان يرى فيه الجانب الاقتصادي، وبعضهم نظر إلى التنمية من جانبها الاجتماعي، إلا أن هذه التعريفات لم تصمد طويلا، إذ سريعاً تطور التعريف ليشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، ولذا يصعب إعطاء المفهوم تعريفا محدداً لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية بأنه «عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل».


الإسلام وتنمية الموارد البشرية

إذا كان الإنسان هو مرتكز التنمية البشرية فإن الإسلام قد سبق كل الرؤى لذلك إذ إن اختيار الإنسان لحمل الرسالة الإسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه عملية البناء والتنمية والتطوير في المجتمعات الإسلامية، فهو الحامل للأمانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} (الأحزاب ـ 72).
وهذا الحمل للأمانة يقتضي استعداداً لدى الإنسان المسلم لذلك، وهو ما تتجه إليه الرؤية الإسلامية لمفهوم التنمية البشرية.
فعلى الرغم من أن مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الإسلامية، فإن المفهوم حملته مصطلحات أخرى وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ذلك:
1 ـ التزكية، في قوله تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 7 ـ 10).
قال الطبري: {قد أفلح من زكاها} قد أفلح من زكى نفسه فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي وأصلحها بالصالحات من الأعمال .. قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة {من زكاها} أيمقال اعجبنى عن " تنمية الموارد البشريه من منظور اسلامى" من أصلحها (1).
وقال الشيخ السعدي «أي طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب ورقاها بطاعة الله وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح» (2).
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر.
اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» (رواه مسلم).
والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر، وهي المعاني التي تتضمنها التنمية بمفهومها الإسلامي فليس المقصود هو الزيادة فقط.
بل المقصود أن تكون هذه الزيادة صالحة ونافعة.
2 ـ الإعمار، فقد قال تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ }( هود ـ 61).
قال ابن كثير: «استعمركم فيها أي جعلكم عُماراً تعمرونها وتستغلونها» (3).
وقد شرح القرطبي معنى الأعمار بقوله: «أي جعلكم عُمارها وسكانها، والاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب، كما أن {استعمركم فيها} «خلقكم لعمارتها»(4).
ولا شك أن عمارة الأرض تتطلب عنصراً فاعلاً ومؤثراً وهو الإنسان، إذ لا يمكن أن تتم عملية الإعمار إلا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة التي تمكنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا لب التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوناته النفسية والعملية.
3 ـ التنشئة، قال تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} (هود ـ 61).
وقوله تعالى{فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (المؤمنون ـ 19).
والتنشئة تأتي بمعنى التربية والزيادة والإيجاد والتنمية.
قال ابن منظور «نشأ ينشأ.. ربا وشب، وارتفع»(5).
أسس تنمية الموارد البشرية تقوم تنمية الموارد البشرية في الإسلام على أسس تدور حول الإنسان باعتباره الهدف الرئيسي لعمليات التنمية البشرية وبرامجها المختلفة وتقوم هذه البرامج على عدد من الأسس من أبرزها:
1 ـ الاستخلاف: فقد اختار الله سبحانه وتعالى الإنسان ليقوم بمهمة الاستخلاف في الأرض انطلاقا من قوله تعالى{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة ـ 30).
فقد كلف الله سبحانه وتعالى الإنسان بهذه المهمة العظيمة للقيام بدوره في الأرض وهيأ له سبل القيام بهذه المهمة ومكن له في الأرض بقوله تعالى {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ } (الأعراف ـ 10).
قال الإمام الرازي: «أي جعلنا لكم فيها مكانا وقراراً ومكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم معايش» (7).
وهذا الاستخلاف يقتضي قيام الإنسان بدوره كما أمره الله سبحانه وتعالى من خلال تنمية مكونات الإنسان الإيمانية والنفسية والعملية، وهي السمة الأساسية للتنمية البشرية.
2 ـ التسخير إن الاستخلاف يقتضي التسخير، لأن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بمهمته في الأرض دون أن تسخر له كل الإمكانات، وقد يسر له الله سبحانه وتعالى ذلك بتسخير عاملة المخلوقات والكائنات في الأرض للإنسان، قال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ }(لقمان* 20).
وقال تعالى {هـوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (الملك ـ 15).
إن هذا التسخير يقتض من الإنسان حسن التعامل مع المسخرات، بحيث يحسن استخدامها فيما يرضي الله عز وجل، وفقا للأحكام التي شرعها في التعامل مع المخلوقات والكائنات والطبيعة، وحين انحرف الإنسان عن الالتزام، خالف مهمة التسخير، وهذا ما نجده في سوء الاستخدام للموارد الطبيعية، وللتعامل مع الكائنات المختلفة، فقد اختلت الموازين، وانتشرت ظواهر تهدد حياة الإنسان ذاته كالظواهر الطبيعية مثل الاحتباس الحراري والتغير البيئي وظهور أمراض في الحيوانات والطيور وقد حذر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله تعالى{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (الروم ـ 41).
إن التسخير يقتضي إعداد الإنسان إعداداً جيداً بتنمية مهاراته وقدراته وتصوراته للتعامل مع ما سخر الله له حتى يستطيع أن يقوم بذلك على الوجه الذي أمر سبحانه وتعالى به.
3 ـ المعرفة حتى يقوم الإنسان برسالته التي كلفه الله سبحانه وتعالى بها لابد له من العلم والمعرفة، إذ الجهل حائل دون ذلك، والمعرفة تقتضي الإحاطة بما كلف الإنسان به، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} (الزمر ـ 9).
وقال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَاب مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (يونس ـ 35).
وقال تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (البقرة ـ 282).
وتتوالى الآيات القرآنية التي تتحدث عن العلم والمعرفة في إشارة إلى أهمية ذلك في حياة الإنسان، ولذا اعتنى الإسلام بالعلم ودعا إليه، وأمر أتباعه بتعلم كل العلوم النافعة حتى يستطيع المسلم أن يؤدي دوره نحو ربه بإخلاص العبودية وتأدية الواجبات المفروضة، وكذلك بتعمير الحياة، ونفع الناس، وجعل الإسلام العلم مدخلاً لمعرفة الله سبحانه وتعالى فقال {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ } (محمد ـ 19) وإذا أراد المسلم أن يقوم برسالته في الحياة فلابد له من علم ومعرفة مستمرة ودائمة يتابع خلالها ما استجد من العلوم والمعارف والحاجات، وذلك لا يأتي إلا من خلال تنمية مهاراته وقدراته، إن غياب العلم والمعرفة يفسح المجال لأن يتقدم الجهل والجهلاء وفي ذلك فساد وإفساد للحياة، وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من ذلك، فعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، و لكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوسا جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا و أضلوا) (البخاري).
4 ـ التخطيط إن تنمية الموارد البشرية تقوم على التخطيط وحسن التدبير، وذلك يقتضي دراسة الواقع الذي يعيشه الفرد والمجتمعات وتحليله بايجابياته وسلبياته، ووضع الحلول لمعالجة المشكلات ودراسة التوقعات المستقبلية بالمقاييس العلمية واقتراح الرؤى لذلك والإعداد الجيد للبرامج والخطط المستقبلية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإعداد في قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم منْ قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْء فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } (الأنفال ـ 60).
وقد وردت الآية بشأن الحرب، إلا أن دلالتها عامة في وجوب الاستعداد والتخطيط، فإذا كان الأمر يوجب التخطيط للحرب ومواجهة العدو وهو أمر طارئ ومؤقت فإن التخطيط للحياة في غير الحرب واجب كذلك لأنها الفترة الدائمة والممتدة والتي فيها معاش الناس وحياتهم مما يتطلب الاستعداد المبكر لها، وقد علمنا القرآن الكريم أهمية التخطيط في قصة يوسف عليه السلام، بقوله تعالى {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ } (يوسف ـ 47).
كما حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على أهمية التخطيط المستقبلي حيث قال: «(إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..
» (مسلم).
وإذا كان التخطيط لمستقبل الورثة وهم أفراد محدودون مأمور به، فإن التخطيط لمستقبل المجتمعات والشعوب والدول أهم وأكثر حاجة.
5 ـ المسؤولية تشكل المسؤولية إحدى الأسس التي تقوم عليها تنمية الموارد البشرية، وإذا كانت مسؤولية الفرد تتطلب منه أن يطور مهاراته ويجدد علمه فإن مسؤولية الدولة تدعوها أن تولي الموارد البشرية أهمية خاصة بحيث توفر لهم سبل التنمية والتطوير والإبداع، فعلى المستوى الفردي تؤكد الآيات الكريمة أهمية المسؤولية الفردية فقد قال تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} (النجم ـ 39).
وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من الغفلة عن المسؤولية الفردية فقال (صلى الله عليه وسلم): «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه» (سنن الترمذي).
أما على مستوى المسؤولية العامة أو مسؤولية الدولة، فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك في الحديث الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنه حيث قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (رواه مسلم).
ولذا فإن اهتمام الدولة بتنمية الموارد البشرية يأتي ضمن مسؤوليتها العامة.
6 ـ العمل هو المحور الذي تدور عليه عملية تنمية الموارد البشرية، إذ أن الإنسان الذي يؤدي العمل يحتاج إلى كفاءة مهنية وعقلية تربوية تؤهله للقيام بدوره في المهام والوظائف العملية، ولذا اهتم الإسلام بالعمل وحث عليه سواء كان عملا تعبديا أو مهنيا ورفع من قيمة العمل، فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا} (الكهف ـ 30).
وقال تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة * 205).
وحث النبي (صلى الله عليه وسلم) على العمل فقال: «ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة» (صحيح ابن ماجه).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم، عملاً أن يتقنه» (رواه البيهقي).
ولا شك أن الإنسان الذي يراد له أن يؤدي عمله ويتقنه لابد له من مهارة وإعداد وذلك صلب عملية تنمية الموارد البشرية.
7 ـ التغيير فتنمية الموارد البشرية تسعى لتغيير إمكانات الإنسان ومهاراته نحو الأفضل فهي تهيئ له فرصة التدريب والتوجيه والسعي نحو اكتساب كل جديد في حياته، ما أمكنه ذلك.
والتغيير سنة الحياة، لكن التغيير المقصود هو الذي يعود بالنفع والصلاح على الإنسان، فليس التغيير مطلوبا لذاته، وإنما هو مطلوب لغاية إيجابية يعمل من أجلها، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى إرادة التغيير* وهو القادر على كل شيء * بإرادة الإنسان ذاته، فقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ منْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد ـ 11).
وقال تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الأنفال ـ 53).
8 ـ الأمانة إذ عليها المعول في ضبط أي سلوك إنساني، وليست الأمانة حفظ الحقوق والأموال فقط، بل الأمانة في كل شيء، ومن أبرزها أمانة الدين ثم أمانة العمل، إن ما تعانيه كثير من المؤسسات العالمية والمحلية من فساد وخلل وانهيار إنما يعود في كثير منه إلى فقد الأمانة، أو ما يطلق عليه غياب أخلاقيات المهنة، إذ بفقد ذلك تنهار قيم العمل وضوابطه، وتشيع قيم أخرى هي للفساد أقرب منها للصلاح، ولا شك أن غياب الأمانة إنما يعود في جزء كبير منه إلى غياب الإيمان، كما يعود أيضا إلى غياب مفاهيم التنمية البشرية الصحيحة التي تقوم على البناء الأخلاقي للإنسان.
وقد أعطى الإسلام أهمية كبرى للأمانة فقال سبحانه وتعالى ممتدحاً المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } (المؤمنون ـ 8).
وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من تضييع الأمانة فقال «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قالوا: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (البخاري).
9 ـ الإصلاح إن مهمة تنمية الموارد البشرية تقوم على إصلاح الفرد بحيث يكون عنصراً فاعلاً عاملاً لخدمة دينه ومجتمعه والبشرية جمعاء، وقد انتشر مفهوم تنمية الموارد البشرية في كل بلدان العالم، وتوحدت رؤية الجميع حول أن غاية ما تسعى له هذه التنمية هو إصلاح الإنسان، إلا أن مفهوم الإصلاح يختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن دولة إلى أخرى، وإذا كان المقصود لدى الجميع إصلاح مهاراته ومعارفه وإمكاناته، فإن الإسلام نظر إلى عملية الإصلاح نظرة شاملة إذ يمتد الإصلاح إلى إيمانه وأخلاقه وسلوكه ومعاملاته، ولذلك كانت رسالات الأنبياء جميعا تقوم على الإصلاح انطلاقا من قوله تعالى{ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود ـ 88).

تعليق واحد

اترك رد